بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 مارس 2011



(صوتك في عالم أسكتت فيه الصهيونية والحديد والنار صوت العدالة)

فيلم "هانكوك" Hancock:
  دعوة لتحسين صورة القوة العظمى الأمريكية وعلاقاتها العامة
كأنه كان يمهد لمجيء أوباما لرئاسة الولايات المتحدة

د. إبراهيم علوش

فيلم "هانكوك"، نسبةً إلى بطله جون هانكوك، الممثل الأمريكي الأسود وِل سميث Will Smith،الذي سبق أن تناولناه في فيلم "أنا أسطورة" I Am Legend، تدور قصته حول شخص بسيط وطيب ينقذ الأبرياء ويحارب الشر والجريمة في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية مستخدماً قوى وقدرات سوبرمانية تجعله أقرب للرجل الخارق منه للبشر، لولا أنه يشبه البشر في المظهر والجوهر، ولولا بعض نقاط الضعف في شخصيته مثل الإدمان على الكحول واحتقار المحاكم وتحطيم الممتلكات العامة في خضم انشغاله، من أجل مصلحة البشرية، بأعماله البطولية التي لا يرجو منها جزاءً ولا شكوراً.  فهو لا يهتم حتى بثيابه ونظافته الشخصية...

والناس لا يقدرون بطوليات هانكوك بالطبع، لأنهم، حسب رؤية الفيلم، طبِعوا على نكران الجميل، وعلى أخذ خدمات هانكوك "على المضمون"، ولأنهم سطحيون يركزون على الأمور الثانوية والشكلية، وينسون الأساس، وهو أن هانكوك، الذي يطير أسرع من الصوت ويتمتع بقوة جسدية خارقة ولا يشيخ أبداً، ينقذ حياتهم ويحافظ على أمنهم.  لكنهم منزعجون لأنه يرفض الظهور في المحاكم التي تستدعيه، ولأنه يحتقر الأصول والقوانين المرعية في التعامل.

وقد أثار فضولي صديق قدم لي الفيلم قائلاً: "شعرت أن في هذا الفيلم رسالة مريبة، فشاهده"!  وعندما شرعت بمشاهدة الفيلم، بدأ عرض القوى الخارقة والمخارق العجيبة لجون هانكوك، فانتابني  الملل، ولم أفهم كيف حقق فيلم هانكوك" نجاحه المدوي، لكن شيئاً ما دفعني للاستمرار بالمشاهدة، حتى راحت تتبلور صورة أو رسالة الفيلم في ذهني: أمريكا بلد رائع، يتمتع بقوى خارقة، وهو بلدٌ شابٌ دائماً لا يشيخ، ويستطيع أن يصل إلى أقاصي الأرض وإلى الفضاء لتحقيق مآربه، وهو يوظف قدراته الخارقة هذه في تحقيق الأمن العالمي وفي إنقاذ البشر من الشر والإرهاب، لكنه ماردٌ يدمن الاستهلاك (الإدمان على الكحول)، ويحتقر المحاكم والمحافل الدولية، ويسبب الكثير من الدمار العرضي غير المقصودcollateral damage خلال أدائه لرسالته العالمية النبيلة!

هل هذا إسقاط تعسفي؟  ربما!  لكن تعالوا نسأل أولاً من هو جون هانكوك الذي سمِّي الفيلم على اسمه، وتقمصه وِل سميث... جون هانكوك ليس مجرد اسم سُحب بالقرعة ليكون عنواناً لهذا الفيلم، بل هو أحد أبطال وقيادات الثورة الأمريكية في حرب الاستقلال ضد بريطانيا.  وكان ثاني رئيس ل"مجلس النواب القاري"، أو مجلس النواب الذي أدار الحرب الثورية ضد بريطانيا في الربع الأخير من القرن الثامن عشر.  وجون هانكوك هو أول حاكم لولاية ماساتشوستس الأمريكية، وأسمه بادٍ بشكلٍ بارز على إعلان الاستقلال الأمريكي. 

فنحن نتحدث هنا عن رمز رسمي للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا لا يمكن أن يكون صدفة عندما يدور الحديث تحت ذلك العنوان عن قوى خارقة تسخر لمصلحة البشرية، ولا تقدرها البشرية حق قدرها لأنها تهتم بالتفاصيل البيروقراطية والشكليات أكثر مما تهتم بالرسالة العالمية والإنجازات الرائعة لهانكوك صاحب القدرات الخارقة الذي يمثل أمريكا في الواقع. 

ولو قام أحدهم بعد مئتي عام مثلاً بإخراج فيلم عنوانه "أرييل شارون" أو "بنجامين نتنياهو" عن شخص يملك قوى خارقة يوظفها لمصلحة البشرية، لولا بعض الزلات، والهنات الهينات، لما اعتبرنا الأمر صدفة!

من ناحية أخرى، فإن مخرج الفيلم هو اليهودي بيتر بيرغ الذي أخرج فيلم "المملكة" الذي سبق أن تناولناه أيضاً في العرب اليوم في 21/10/2007.  أما منتج الفيلم فهو أكيفا غولدسمان، أيضاً يهودي حتى النخاع، وهو كاتب نص بالأساس، لكن ليس في فيلم "هانكوك"، وقد سبق أن أنتج وكتب نص فيلم "أنا أسطورة"، ويمكن لمن يرغب أن يراجع تقييم كاتب هذه السطور لفيلمي "المملكة" و"أنا أسطورة" ليأخذ فكرة عن توجه المخرج بيتر بيرغ والمنتج أكيفا غولدسمان، وكيف كان كلاهما  يتبنى هناك رؤى المحافظين الجدد في ذينك الفيلمين.  غير أن فيلم "هانكوك" يمثل تحولاً باتجاه التأكيد على أهمية العلاقات العامة في السياسة الدولية، وأهمية إقامة التحالفات ومراعاة الحساسيات المحلية من أجل استكمال النجاح، وليس فقط أهمية استخدام القوة العارية.

ولو أردنا أن نعيد قراءة موقف يهود هوليود على الأقل من خلال هذا الفيلم الذي أطلق على الشاشات في 2/7/2008، أي في عز الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، لقلنا أنهم بدأوا يرون أهمية "تعديل الطاقية" بعد "ضربة الكف"، في السياسة الخارجية الأمريكية.  وقد سبق أن تناولنا في مراجعة أفلام أخرى أهمية السينما في تكوين الرأي العام، خاصة في الولايات المتحدة.  والتأثير الصافي للفيلم في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية لم يكن من الممكن أن يصب عند ماكين وسارة بيلين، وعند سياسة احتقار المحافل الدولية والعلاقات العامة في السياسة الخارجية التي مارسها جورج بوش، بل يصب على العكس عند باراك أوباما، خاصة أن وِل سميث أسود مثل أوباما، والمصطلح المقبول سياسياً هو بالطبع "أفريقي-أمريكي".

كما سبق أن تناولنا أهمية حملات التسويق والترويج في نجاح فيلم أو فشله تجارياً، ومنه مقاطعة سلاسل دور العرض الأمريكية لفيلم "منقح" عن مجزرة المحمودية للمخرج برايان دو بالما.  بالمقابل، فإن فيلم "هانكوك" الذي بلغت موازنته 150 مليون دولار حقق حوالي 625 مليون دولار من العوائد في الأشهر الثلاثة الأولى لإطلاقه، منها – وهنا بيت القصيد – حوالي 400 مليون دولار خارج الولايات المتحدة وكندا، أي أن الفيلم أصاب هدفه بإقناع جمهور عالمي واسع بالرسالة النبيلة للقوة العظمى الأمريكية التي تحتاج فقط لتحسين صورتها وعلاقاتها العامة.

وهناك نقطة أخرى لا بد من ذكرها، وهي أن قصة الفيلم كتبت عام 1996، لكنها بقيت طي الأدراج حتى عام 2007، عندما تم تحويلها إلى نص سينمائي، مع تعديلات كثيرة طبعاً، وإلى فيلم.  فهل هذه صدفة أيضاً، مع تزايد السخط العالمي على السياسات الأمريكية، وتشوه صورة أمريكا في العالم أكثر من أي وقت مضى؟

المهم، في إحدى المهمات التطوعية التي يقوم بها هانكوك في الفيلم، ينقذ مسؤول دعاية وعلاقات عامة للشركات الكبرى من موت محقق، بعد أن كاد يدهس سيارته قطار.  فيقرر ذلك المسؤول أن يرد الجميل لهانكوك بإقناعه بنصائحه لتحسين صورته وعلاقاته العامة.  فيقنعه أن يرضى بالسجن بناء على عدة مذكرات توقيف بحقه، بسبب تدمير الممتلكات الخاصة والعامة خلال مهماته الإنقاذية.  الفكرة هي أن يرضى هانكوك بالسجن طوعاً، ليظهر تقيده بالقانون، مما يؤدي لارتفاع معدلات الجريمة في المدينة، فيدرك الناس أهميته بالنسبة إليهم، فيطلبون منه أن يتدخل لفرض "الأمن العالمي" ومحاربة "الإرهاب" وحل مشاكلهم، مما يعني فعلياً المطالبة بخروجه من السجن، وتخليهم عن مطالبته بترك مدينتهم ووقف تدخلاته في الشؤون العامة!

وهكذا يحدث فعلاً، فمع تصاعد الجريمة، يطلب منه "رئيس الشرطة" (اقرأ: الأمين العام للأمم المتحدة) أن يتدخل في إنقاذ رهائن احتجزوا في خضم عملية سطو على بنك (إرهاب وإخلال بالأمن)، فيظهر بزي جديد صممه له مسؤول العلاقات العامة، وينقذ الرهائن، وينقذ الشرطة، ولا يحدث دماراً عرضياً، فيستعيد شعبيته، ويصفق الناس لتدخلاته الأمنية، لتبدأ معه بعدها قصة ذات بعد عاطفي ربما يكون مغزاها السياسي الوحيد في النهاية هو أن الحفاظ على مرتبة قوة عظمى يتطلب السيطرة على الغرائز وعدم الاندفاع خلف الرغبات بشكل أرعن!

ربما كان علينا أن نقرأ أفلام هوليود لنفهم التحولات الجارية في توجهات النخبة الحاكمة الأمريكية...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق