بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 يناير 2011

صورة المرأة المحجبة في المسلسلات العربية- ملاحظات منهجية


صورة المرأة المحجبة في المسلسلات العربية- ملاحظات منهجية
محمد شاويش-برلين 


موضوع "صورة المرأة المحجبة" في المسلسلات يحتاج بلا شك إلى دراسة تفصيلية متفرغة تدرس عدداً كافياً من المسلسلات أخذت بطريقة تكفل صحة تمثيلها لحال هذه المسلسلات وتتناسب مع الدراسة الموضوعية النزيهة التي لا تبتغي سلفاً البرهان على صحة أطروحة ما أو خطئها. في غياب مثل هذه الدراسة سأذكر هنا أفكاراً أساسية في اعتقادي تخص هذا الموضوع.


أ-الواقعية في المسلسلات – تمثيل الشرائح الاجتماعية 


يفترض في المسلسلات عادة أن تعكس الواقع إن لم تكن من "الفانتازيا". 
من هنا لا يجوز أن تظهر شرائح اجتماعية مثلاً بكثافة تزيد أو تنقص عما هو الواقع في مواقف اجتماعية محددة. 
فلو كانت نسبة الطبيبات المحجبات في المجتمع السوري تعادل سبعين بالمائة من الطبيبات ثم رأينا أن نسبة الطبيبات المحجبات في المسلسلات تعادل عشرة بالمائة من مجموع الطبيبات فيها فإن لنا أن نرى أن المسلسلات "لم تعكس الواقع". 
وفي المسلسلات المصرية مثلاً يندر جداً أن نرى طالبات جامعيات محجبات فالبطلة وزميلاتها من السافرات، على حين يقول العارفون بالمجتمع المصري أن الغالبية الساحقة من الطالبات الجامعيات هن من المحجبات. من حقنا هنا أن نتهم هذه المسلسلات بأنها لا تعكس واقع الحياة الجامعية المصرية. 


ب-هل الحجاب "علامة"؟ 


لو أن كاتباً ألمانياً يكتب عن المجتمع الألماني الآن وبدأ مقطعاً في رواية بالقول إن البطل كان يرتدي بنطالاً أثناء مشيه بالشارع لاستحق سخرية القراء. لم؟ لأن لبس البنطال هو الشائع عند السائرين في ألمانيا الآن من هنا فهو "ليس علامة" على أي شيء! 
ولو قال إن البطل كان يرتدي قميصاً لاستحق السخرية أيضاً للسبب نفسه. 
ولكنه لو قال إن البطل كان يرتدي قميصاً رسم عليه علم بلد محدد (أو فريق رياضي إلى آخره..) لاختلف الأمر كلياً لأن هذا النوع من القمصان ليس شائعاً فهو لا محالة "علامة" على شيء مهم له علاقة بالحدث، فإن قال الكاتب ذلك توقعنا أن الأحداث اللاحقة ستفسر لنا لم كان يرتدي هذا القميص وتربط هذا الفعل الدال (أي هذه "العلامة") بمدلول معين.. 
سأعود إلى صورة الحجاب في المسلسلات الآن: إن من المشاهد في المسلسلات السورية التي أراها أن الحجاب لا يماثل البنطال أو القميص العادي في مثالي السابق بل هو أقرب أن يماثل القميص الخاص المرسوم عليه علم. ما إن تظهر امرأة أو فتاة محجبة في المسلسل حتى نتوقع أن "لها قصة ما". تستطيع السافرة أن تكون "بلا قصة" متعلقة بسفورها بالذات إذ أن السفور ليس "علامة" في المسلسلات السورية، أما المحجبة فلا! فحجابها "يلفت النظر" بمجرد ظهوره بحيث أن المشاهد يبدأ في محاولة معرفة: لم هي محجبة؟ وما الحدث الذي سيقترن بهذه "الظاهرة اللافتة للنظر"؟ 
لكننا نعرف في الواقع الاجتماعي الآن أن الغالبية الساحقة من نساء وفتيات المجتمع السوري يرتدين الحجاب (أأعجبنا ذلك أم غاظنا!)، من هنا أصبح الحجاب عملياً هو الشيء المألوف للمرأة وبالتالي كان من الواجب أن لا يعود "علامة" ونستطيع عندها إن ظهرت امرأة محجبة أن لا نتوقع أي حدث خاص له علاقة بحجابها، فهي مجرد شخصية عادية والأحداث التي ستمر بها ليس لها علاقة ضرورية بكونها محجبة، كما أن مرتدي القميص في المسلسل لن يدخل قميصه كجزء دال في الحدث. أي بتعبيرنا: إن قميصه "ليس علامة". 
وأزيد على ذلك إن شاء أصدقاؤنا صانعوا المسلسلات: حيث أن السافرات في المجتمع السوري أصبحن أقلية فإن السفور بالأحرى هو الأولى أن يصبح "علامة"، وبالتالي لنا أن نتوقع لو كانت مسلسلاتنا "واقعية" عند ظهور امرأة سافرة أنه "أكيد لها قصة لها علاقة بكونها سافرة!" إذ لا يظهر عربي في مسلسل ألماني هكذا ببساطة كشخصية عادية. لا بد أن كونه عربياً يعني شيئاً دالاً مؤثراً في الأحداث. 
وهذه الملاحظة الأخيرة تذكّر القارئ اللبيب ولا شك بمناقشاتنا نحن العرب منذ عقود مع السينما الغربية في موضوع "صورة العربي في السينما الغربية". إن السينما الغربية مثلا لا تقول صراحة "العربي عدواني" ولكنها حين تجعل نسبة العرب العدوانيين في السينما إلى غير العدوانيين تفوق بأضعاف كثيرة نسبة العرب غير العدوانيين إلى العرب العدوانيين في الواقع فإن من حقنا أن نرى أن في الأمر انحيازاً ومحاولة مقصودة لتشويه صورة العرب. 
يصور المسلسل العربي شخصية طالبات جامعيات مثلا فتكون للسافرة ألف قصة ليس منها واحدة لها علاقة بسفورها بينما معظم القصص التي تقترن مع ظهور شخصية الطالبة المحجبة لها علاقة مباشرة بحجابها. مما يدفع لا شعوريا إلى الظن أن الحجاب هو "شيء غير مألوف". هو كما قلت "علامة". 
إن أول مطلب لمجتمعنا يجب أن يكون من مسلسلاتنا أن تلغي صفة "العلامة" عن الحجاب! 


ج-الانحياز 
لا يقترن تمثيل المحجبة في مسلسلاتنا بالحياد بل فيه انحيازات مختلفة: هناك انحياز طبقي يتمثل عادة في وضع المحجبات في مرتبة طبقية دنيا. وانحياز أيديولوجي يمثل المحجبات كشريحة مضطهدة قياساً بالسافرات أو كشريحة متعصبة. 
عندي شك في الواقع بمدى التزام غالبية المحجبات الديني خلافاً لما تعتقده الشريحة اللادينية في مجتمعنا، إذ أن تحول الحجاب إلى ظاهرة عامة من طبيعته أن ينفي عنه الصفة الأيديولوجية، ولكن ما هو مؤكد أكثر أن الصفة الطبقية للمحجبات مفقودة فالحجاب الآن شائع في الطبقات الاجتماعية كلها في المجتمعات الإسلامية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق