بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 ديسمبر 2010

مَنْ يُنكِّس أعلام التَّغريب؟



مَنْ يُنكِّس أعلام التَّغريب؟
أحمد العساف  | 28/12/1431 هـ


إنَّ معارضة أيَّ مسؤول يعيث في الأرض فسادا؛ فيعبث بدين الشَّعب، ويسرق أموالهم، ويسيء إدارتهم، لأمر توجبه الدِّيانة والمروءة. ومع الاعتراض السلمي تبرز مطالب بإقالة هذا المفسد، ويستجيب صاحب القرار غالباَ؛ ويختار توقيت الاستجابة حسب الأنسب فيما يراه. وإصلاح الدَّولة والغيرة عليها واجب على الجميع؛ وهو في حقِّ بعض الفئات أوجب لأنَّهم أقدر عليه؛ " فالرئيس الغيور يذود عن الحق بما في يده من قوة....، والعالم الغيور لا يفتأ يذب عن الحق بلسانه أو قلمه....، والموسر الغيور ينفق في سبيل الإصلاح باليمين واليسار....،"([1]).




 واليوم لا أكاد أصدِّق ما أسمعه من تصريحات زوجات بعض الوزراء! فالعرف الإداري يقتضي أن تكون مرجعية الوزير لرئيسه -أي رئيس مجلس الوزراء-، وليس لزوجته التي ستناقشه في الزَّج بالمرأة إلى العمل المختلط، أو تدعوه لإضافة مادَّة دراسية وحذف أخرى! وقد مات كبار التَّغريبيين دون أن يعرف المجتمع زوجاتهم، فما بال هؤلاء قد تعاظم أمرهم، وتجاوزوا الخطوط الحمر لطبيعة الإدارة والحكم في المملكة؟ ومَنْ سيكسر شوكة التَّغريب خاصَّة وقد ظهر للعيان فسادها المالي وعوارها الإداري، وسنحت الفرصة لقطع رؤوس الشَّر التي تطاولت على قامات لم يجرؤ عليها إنسي من قبل؟




وفي عمل المرأة (كاشيرة) وضوح النَّفَس التَّغريبي الجاثم على البلد، وقد تحدَّث عنه عدد من فضلاء المحتسبين والكُّتاب، فما سرُّ سهولة توظيف الفتاة قياساً بطلوع روح الشَّاب قبل حصوله على وظيفة؟ ومَنْ يفسِّر لنا سبب جعل راتب (الكاشيرة)  أكثر من ضعف راتب زميلها؟ وماذا وراء الحرص على إشغال هذه الوظيفة وترك وظائف الإدارة والمحاسبة والموارد البشرية لغير أهل البلد، وأحياناً -وإنَّها لمصيبة- تُسند إلى غريب في دينه وعاداته؟ وبعد ذلك كله لماذا ازوَّر هؤلاء عن التَّوظيف عن بعد؟ وأين الحديث عن التَّكافل الاجتماعي وكفالة بيت المال للمستحقين؟ إنَّ لهاث المفسدين لبث الفرقة والخلاف داخل مجتمعنا يحتاج إلى إجراء سريع قبل أن يفوت الأوان.




ولم تسلم شؤون حياتنا من إفسادهم وإرجافهم، فيدهم في التَّعليم طويلة، وجرأتهم على المناهج ليس لها سقف، ولا قيمة عندهم لمعارضة تطبيع الاختلاط في الصُّفوف الدُّنيا الابتدائية وفي المراحل العليا الجامعية، وحتى الابتعاث الذي ننتظر ثماره في العلم والعمل والتَّنمية صيَّروه بوابة لتعويد أبنائنا وبناتنا على الاختلاط والسُّفور؛ وتباهوا بذلك في الصُّحف، وماذا ينفعنا المبتعث الذي يجيد لغة أجنبية ويتشبَّه بالأجانب دون أن يترجم لنا كتباً في فنِّه، أو يسجِّل لبلادنا مكتشفات باسمه؟ وقد شمل كيدهم عدداً من المسؤولين الذين أدركوا أنَّ مسايرة هذا التَّيار طريق إلى المنصب وسبب في البقاء فيه وإن صدر قرار الإعفاء مراراً، أو أخطأ المسؤول ونهب وضيَّع العمل الموكل إليه، وكان للدَّعوة وحفظ القرآن سهام من كنانتهم المليئة بالنِّبال المسمومة، ولو انصرف جَلَدهم إلى إصلاح دنيانا دون إفساد ديننا لنافسنا دول آسيا المتقدِّمة.




وفي وسائل إعلامنا وصحافتنا الورقية على وجه الخصوص فيض من التَّعالي ونشوة النَّصر في الإفساد والتَّغريب، وانغماس في جميع المسائل ولو كانت محظورة في قانون المطبوعات أو نظام الحكم؛ ولم يبقَ لصحافتنا إلاّ أن تناقش اختيار الملك وولي عهده! وهي صحافة فريدة غريبة؛ لأنَّها تتحدَّث بلسان واحد وفكر واحد ولا يوجد صحيفة ورقية واحدة تخالف النَّهج الصَّحفي السَّائد، وتضع وزارة الإعلام العراقيل وتفتعل الموانع أمام التَّرخيص لصحيفة تختلف عن الصُّحف الكثيرة التي تمثِّل أقليّة نافذة، فمَنْ ينشر العدل في ثقافتنا وإعلامنا؟




ومع قرب تكوين مجلس الوزراء الجديد؛ وتسمية شاغلي المراتب العُليا نتمنّى أن تؤخذ بعين الاعتبار التَّوجهات الفكرية للمرشحين، فتحذف الأسماء التي تتبنَّى أفكاراً منحرفة، أو لها مصالح خاصَّة، أو ذات ولاءات لا ترضاها الحكومة، أو المغموز عليها بفساد الذمة وسوء الإدارة. ولا زلت أستغرب من تغييب المتدين الكفؤ عن إدارة الوزارات والجامعات المتخصِّصة أو العامة، مع أنَّ القوة والأمانة من أهم شروط القيام بهذه الأعمال، ومَنْ توافرت فيه المعرفة والخبرة والأمانة فهو جدير بالخدمة العامة، حتى لا يغش الدَّولة- الحكومة والمجتمع- في أكل المال بالباطل، أو إساءة الإدارة وإهمال المتابعة، أو نخر عوامل وحدة المجتمع وقوته؛ وإنَّ الدِّين واللغة والتَّاريخ لأكبر ركائز هذه الوحدة التي يحاول المفسدون قرضها من كلِّ جانب، فاللهم سخِّر لبلادك وعبادك مَنْ يحمل على عاتقه تنكيس أعلام التَّغريب وإعلاء كلمتك، واجعل بطانته صالحين مصلحين ناصحين يراعون أنَّ أمتنا " أمة لها دين قيم، وشرع حكيم، ومجد لم يصف له التاريخ من نظير، لا يستقيم أمرها إلا لمن يغار على شرعها، أو يتودد لها باحترامه، والمحافظة على أصوله"([2]).  






([1]) موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين ج5 ص 2121.
([2]) موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين ج5 ص 2123.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق