بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 ديسمبر 2010


الدلالات السياسية لفوز قطر بتنظيم المونديال
الاحد 05 ديسمبر 2010
بقلم : د.سامح عباس

حقيقة أن اختيار قطر لاستضافة أكبر المنافسات والمحافل الرياضية على مستوى العالم، ونجاحها فى الفوز بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، قد اعتبرها الكثير من العرب مصدر فخر وانتصار، خاصة وأن الملف القطرى نجح فى التغلب على نظيره الأمريكي فى جولات الإعادة الأخيرة التى أجريت بمقر الاتحاد الدولي لكرة القدم المعروف اختصاراً بـ "الفيفا" في مدينة زيوريخ السويسرية.
لكن هذا الاختيار المفاجئ للجميع، بما فيهم القطريين أنفسهم حمل الكثير من الدلالات السياسية، والأبعاد الإقليمية، التى يسعى النظام العالمي الجديد لإرسائها وترسيخها، مستخدماً أخطر وأهم وسيلة من وسائل القوة الناعمة السائدة فى العالم حالياً، وهى كرة القدم، من خلال الاستعانة بأقوى الاتحادات الرياضية العالمية، والذى تفوق قوته ونفوذه أكبر وأقدم المؤسسات السياسية الدولية، ألا وهو "الفيفا". ومما يؤكد على البُعد السياسي فى اختيارات الفيفا للدول التى تستضيف فعاليات كأس العالم، هو اختيار روسيا لتنظيم تلك البطولة عام 2018 ، على الرغم من وجود دول تفوقها فى الامكانيات، مثل انجلترا وأسبانيا والبرتغال، والتي تؤهلها لاستضافة تلك البطولة، لكن البُعد السياسي كان الحاسم فى اختيار روسيا، بعد تعاظم قوتها السياسية والعسكرية على المستوى الدولي، وربما يكون اختيارها للمرة الأولى جاء كمكافأة لها على دورها الإقليمي الذي تقوم به، باعتبارها قوة عظمى سابقة.
ولكي ندرك مدى تأثير هذا النوع الجديد من القوة الناعمة، يكفي أن نشير إلى أن كرة القدم أضحت فى وقتنا المعاصر، سبباً فى اندلاع الحروب والخلافات السياسية بين الدول بعضها البعض، ولعل النموذج المصري - الجزائري خير دليل على ذلك بعد أن كادت العلاقات بينهما تصل إلى حد القطيعة الكاملة بسبب مباراة فى تصفيات كأس العالم، وسط تجاهل تام لتاريخ العلاقات الشعبية والثقافية والسياسية والاقتصادية بين البلدين الشقيقين. فى المقابل استخدمت كرة القدم أيضاً كوسيلة لإنهاء الخلافات السياسية بين الدول، كما سبق وأن حدث بين إيران والولايات المتحدة من خلال إحدى المباريات التى أُقيمت فى إحدى بطولات كأس العالم السابقة.
على كل الأحوال فقد تحولت كرة القدم من خلال "الفيفا" إلى كلمة السر السحرية التى يمكن من خلالها خلق واقع سياسي وعسكري جديد، قد يغير من صورة الخريطة الجيوسياسية فى أية بقعة من بقاع العالم. وعلى ضوء القوة الناعمة التى يتحكم بناصيتها الاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن خريطة الشرق الأوسط حالياً مرشحة لأن تشهد تغييراً جذرياً فى الفترة القادمة، بعد منح قطر مهمة تنظيم أكبر المحافل الرياضية على الإطلاق. ومن المتوقع أن تلعب كرة القدم دوراً ملموساً فى رسم حدودها وتضاريسها خلال فترة الأثنى عشر عاماً القادمة، حتى موعد إقامة كأس العالم فى قطر 2022 .
دلالات وأبعاد
ومما يؤكد مجدداً على أن قرار الفيفا، باختيار قطر لاستضافة كأس العالم هو في الأساس قرار سياسي، وليس قرار رياضي فى المقام الأول حسبما يحلو للبعض إدعائه، سنسعى سوياً خلال السطور القادمة رصد الدلالات السياسية والأبعاد الإقليمية لاختيار قطر لاستضافة كأس العالم القادمة، على أساس أن قرار الاختيار سياسياًَ وليس رياضياً بشكل مطلق.
فمن أبرز تلك الدلالات هي حتمية استبعاد اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج العربي، واستبعاد قيام الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري مرتقب ضد إيران خلال الفترة القادمة، وعلى الأقل قبل ست سنوات من إقامة البطولة في 2022. فلا يُعقًل أن تقوم قطر - التى حظيت بدعم قوى إقليمية لملفها سواء من إيران، أو من جانب "إسرائيل" - بتعريض الاستثمارات الضخمة التى سيتم ضخها خلال الفترة القادمة لإقامة الملاعب والمنشآت الرياضية والتى ستصل تكلفتها لأكثر من 20 مليار دولار للخطر، وأن تكون إمكانية إقامة مباريات كأس العالم على أراضيها والمشجعون الذين سيتدفقون على قطر من مختلف أنحاء الكون لمشاهدة تلك المباريات، مهددة بسبب حرب جديدة فى المنطقة، وهو الأمر الذي يعكس تزايد الدور السياسي الذى ستقوم به قطر خلال الفترة القادمة، باعتبارها نموذجاً لدول الشرق الأوسط خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والذي سيتسم وفقاً للمحللين بتفتيت الدول العربية، وتقسيمها لدويلات، بحيث لا يمكن أن تتجاوز مساحتها مساحة الكيان الصهيوني، وهى المساحة نفسها لدولة قطر.
الشرق الأوسط الكبير
أما الدلالة الثانية وراء اختيار قطر لتنظيم كأس العالم 2022 تتمثل في ترسيخ فكرة الشرق أوسطية على حساب القومية العربية. فقطر عند ترويجها لملفها لدى مؤسسة الفيفا، لم تذكر الدول العربية أو المنطقة العربية، بل استخدمت مصطلح الشرق الأوسط، ليصبح مصطلح أكثر شمولاً ليشمل الكيان الصهيوني، الذى لا يمكن أن يكون عضواً فى أي تجمع عربي بأي حال من الأحوال.
 ولعل استعانة قطر بطفل "إسرئيلي" خلال ترويجها لملفها، خير دليل على قيادة قطر لتطبيق البُعد الشرق أوسطي على حساب البُعد القومي العربي، من أجل الفوز باستضافة المونديال الكروي 2022، وهو الأمر الذي لا يعدو كونه مجرد إحياء قطري لمخطط صهيوني قديم كان يقوده الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيريز، من خلال ترويجه لفكرة الشرق الأوسط الكبير، لفرض مزيد من التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني.
العباءة العربية
ولعل من أكثر الدلالات السياسية على قيادة قطر لفكرة الشرق الأوسط الكبير، هو تفضيل الشيخ حمد بن خليفة أمير دولة قطر إرتداء بذلة على الطراز الغربي، وخلعه للجلباب والعقال العربي الذى اشتهر بارتدائه، خلال حضوره حفل اختيار الدولة المنظمة لكأس العالم الذي أقامته الفيفا، بشكل كان من الصعب التعرف عليه، وذلك بهدف كسب المزيد من التعاطف الغربي، ولتأكيده على خروجه عن العباءة العربية، وارتدائه للعباءة الشرق أوسطية، بما يتوافق مع آليات الخريطة الجيوسياسية الجديدة فى المنطقة. فالأمر ليس فقط مجرد تغيير فى المظهر الخارجي والملابس، بل يحمل مغزى وبُعد سياسي طويل الأمد.
الورقة الصهيونية
ويبدو أن اختيار قطر لاستضافة كأس العالم 2022، والذي أصبح ممكناً بعد موافقة ضمنية من جانب الكيان الصهيوني، قد حمل دلالة سياسية مهمة أخرى، تتمثل فى إعادة فتح أبواب التطبيع بين الدوحة وتل أبيب، والتى بدورها ستساهم فى المشاركة فى كعكة كأس العالم القطرية، الأمر الذي سيمهد الطريق أمام اختراق الكيان الصهيوني للأسواق الخليجية والعربية. من غير المستبعد أن تكون قطر الجسر الذى ستقام على قواعده أسس جديدة للعلاقات بين إيران و"إسرائيل"، خاصة إذا ما سلمنا باستبعاد قيام "إسرائيل" أو الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري ضد إيران.
وعلى ضوء ما سبق ليس مستبعداً أن يفتح اختيار قطر لتنظيم كأس العالم أبواب التطبيع الرياضي على مصراعية بين الكيان الصهيوني والدول العربية، بشكل يوحي بانتهاء الصراع السياسي الذى دام لأكثر من ستة عقود، وذلك لكي تثبت مراراً وتكراراً تعهدها بموافقتها على استقبال المشجعين والمنتخب "الإسرائيلي" على أراضيها.
 على أية حال الدلالات والأبعاد السياسية سالفة الذكر تؤكد وبشكل لا يدع مجالاً للشك أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من التطورات السياسية المهمة ستغير من صورة الشرق الأوسط، فى إطارها يبرز دور الدويلات الصغيرة على حساب دور الدول الكبرى، التى تعاني يوماً بعد يوم من شبح الفتنة والتقسيم والتحول لدويلات صغيرة، فشرقاً هناك العراق واليمن ولبنان، وجنوباً السودان والصومال، وشمالاً مصر والجزائر والمغرب، فهل سيكون كأس العالم مكافأة قطر على قيادتها للدويلات العربية فى 2022، تحت مسمى الشرق الأوسط، بدلاً من القومية العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق